ما يباح للمعتكف يباح للمعتكف ما يأتي :
1 - خروجه من معتكفه لتوديع أهله ، قالت صفية ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا ، فحدثته ثم قمت فانقلبت ، فقام معي ليقلبني ( 1 ) ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد . فمر رجلان من الانصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " ، قالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : " إن الشيطان يجري من الانسان مرجى الدم ، فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا " أو قال " شرا ( 2 ) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود .
2 - ترجيل شعره وحلق رأسه ، وتقليم أظفاره وتنظيف البدن من الشعث والدرن ولبس أحسن الثيات والتطيب بالطيب . قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفا في المسجد فيناولني رأسه من خلل الحجرة ، فأغسل رأسه - " وقال مسدد فأرجله ( 3 ) " وأنا حائض . رواه البخاري ومسلم وأبو داود .
3 - الخروج للحاجة التي لا بد منها ، قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان . رواه البخاري ومسلم وغيرهما . وقال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ، لان هذا مما لا بد منه . ولا يمكن فعله في المسجد ، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه ، وإن بغته القئ فله أن يخرج ليقئ
( 1 ) يردها لبيتها قال الحطامي وفيه انه خرج من المسجد معها ليبلغها منزلها ، وفي هذا حجة لمن رأى أن الاعتكاف لا يفسد إذا خرج في واجب وأنه لا يمنع المعتكف من اتيان معروف . ( 2 ) حكي عن الشافعي : ان ذلك كان منه شفقة عليهما ، لانهما لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادر إلى إعلامهما ذلك لئلا يهلكا . وفي تاريخ ابن عساكر عن ابراهيم بن محمد قال كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر حدث بهذا الحديث . وقال للشافعي : ما فقهه ؟ فقال : إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء ، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم اكهمهم ، وهو أمين الله في أرضه . فقال ابن عيينة جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله ما يجيئنا منك إلا كلام تحبه . ( 3 ) تصليحه بالمشط .
خارج المسجد ، وكل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد فله خروجه إليه ، ولا يفسد اعتكافه ما لم يطل . انتهى . ومثل هذا الخروج للغسل من الجنابة وتطهير البدن والثوب من النجاسة . روى سعيد بن منصور قال : قال علي بن أبي طالب : إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ، وليحضر الجنازة ، وليعد المريض وليأت أهله يأمرهم بحاجته
وهو قائم . وأعان رضي الله عنه ابن أخته بسبعمائة درهم من عطائه أن يشتري بها خادما ، فقال : إني كنت معتكفا ، فقال له علي : وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت ؟ وعن قتادة : أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة ويعود المريض ولا يجلس . وقال إبراهيم النخعي كانوا يستحبون للمعتكف أين يشترط هذه الخصال - وهن له وإن لم يشترط - عيادة المريض ، ولا يدخل سقفا ، ويأتي الجمعة : ويشهد الجنازة ، ويخرج إلى الحاجة . قال : ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة . قال الخطابي : وقالت طائفة للمعتكف أن يشهد الجمعة ويعود المريض ، ويشهد الجنازة . روي ذلك عن علي رضي الله عنه ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي . وروى أبو داود عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف ، فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه وما روي عنها من أن السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا فمعناه أن لا يخرج من معتكفه ، قاصدا عيادته ، وأنه ، لا يضيق عليه أن يمر به فيسأل غير معرج عليه .
4 - وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه ، مع المحافظة على نظافته وصيانته ، وله أن يعقد العقود فيه كعقد النكاح وعقد البيع والشراء ، ونحو ذلك .
ما يبطل الاعتكاف
يبطل الاعتكاف بفعل شئ مما يأتي :
1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمدا وإن قل ، فإنه يفوت المكث فيه ، وهو ركن من أركانه .
2 - الرده . لمنافاتها للعبادة ، ولقول الله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) .
3 ، 4 ، 5 - ذهاب العقل بجنون أو سكر . والحيض والنفاس ، لفوات شرط التمييز والطهارة من الحيض والنفاس .
6 - الوطء لقول الله تعالى : ( ولا تقربوهن وأنتم عاكفون في المساجد ، تلك حدود الله فلا تقربوها ) ولا بأس باللمس بدون شهوة ، فقد كانت إحدى نسائه صلى الله عليه وسلم ترجله وهو معتكف ، أما القبلة واللمس بشهوة فقد قال أبو حنيفة وأحمد أنه قد أساء ، لانه قد أتى بما يحرم عليه ، ولا يفسد اعتكافه إلا أن ينزل ، وقال مالك : يفسد اعتكافه لانها مباشرة محرمة فتفسد كما لو أنزل ، وعن الشافعي روايتان كالمذهبين . قال ابن رشد : وسبب اختلافهم ، هل الاسم المشترك ، بين الحقيقة والمجاز له عموم أم لا وهو أحد أنواع الاسم المشترك . فمن ذهب إلى أن له عموما قال : إن المباشرة في قوله تعالى : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ، ) يطلق على الجماع وعلى ما دونه ، ومن لم ير له عموما - وهو الاشهر الاكثر - قال : يدل إما على الجماع ، وإما على ما دون الجماع ، فإذا قلنا : إنه يدل على الجماع بإجماع ، بطل أن يدل على غير الجماع ، لان الاسم الواحد لا يدل على الحقيقة والمجاز معا . ومن أجرى الانزال بمنزلة الوقاع ، فلانه في معناه ، ومن خالف فلانه يطلق عليه الاسم حقيقة . قضاء الاعتكاف من شرع في الاعتكاف متطوعا ثم قطعه استحب له قضاءه وقيل : يجب . قال الترمذي : واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى . فقال مالك : إذا انقضى اعتكافه وجب عليه القضاء ، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال . وقال الشافعي : إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شئ أوجبه على نفسه وكان متطوعا ، فخرج فليس عليه قضاء ، إلا أن يحب ذلك اختيارا منه . قال الشافعي : وكأن علم لك أن لا تدخل فيه ، فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة . أما من نذر أن يعتكف يوما أو أياما ثم شرع فيه وأفسده وجب عليه قضاؤه متى قدر عليه باتفاق الائمة ، فإن مات قبل أن يقضيه لا يقضى عنه . وعن أحمد : أنه يجب على وليه أن يقضي ذلك عنه . روى عبد الرزاق عن عبد الكريم بن أمية قال : سمعت عبد الله بن عبد الله بن عتبة يقول : إن أمنا ماتت وعليها اعتكاف ، فسألت ابن عباس فقال : اعتكف عنها وصم . وروى سعيد ابن منصور : ان عائشة اعتكفت عن أخيها بعد ما مات . المعتكف يلزم مكانا من المسجد ، وينصب فيه الخيمة :
1 - روى ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان . قال نافع : وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2 - وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف طرح له فراش ، أو يوضع له سرير وراء اسطوانة التوبة ( 1 ) .
3 - وروى عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية على سدتها ( 2 ) قطعة حصير . نذر الاعتكاف في مسجد معين من نذر الاعتكاف في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الاقصى وجب عليه الوفاء بنذره في المسجد الذي عينه ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا " أما إذا نذر الاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة فلا يجب عليه الاعتكاف
( 1 ) هي أسطوانة ربط بها رجل من الصحابة نفسه حتى تاب الله عليه . ( 2 ) " سدتها " أي بابها وإنما وضع الحصير على بابها حتى لا ينظر فيها أحد .
في المسجد الذي عينه ، وعليه أن يعتكف في أي مسجد شاء ، لان الله تعالى لم يجعل لعبادته مكانا معينا ولانه لا فضل لمسجد من المساجد على مسجد آخر إلا المساجد الثلاثة ، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاز في مسجدي هذا بمائة صلاة " . وإن نذر الاعتكاف في المسجد النبوي جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام لانه أفضل منه .