بسم الله الرحمن الرحيم
الايمان : جمع يمين ، وهو اليد المقابلة لليد اليسرى ، وسمي بها الحلف لانهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه ، وقيل : لانها تحفظ الشئ كما تحفظه اليمين .
ومعنى اليمين في الشرع : تحقيق الامر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته . أو هو عقد يقوي به الحالف عزمه على الفعل أو الترك . واليمين والحلف والابلاء والقسم بمعنى واحد . اليمين لا تكون إلا بذكر الله أو صفة من صفاته : ولا يكون الحلف إلا بذكر اسم الله أو صفة من صفاته سواء أكانت صفات ذات أم صفات أفعال ، كقوله : والله وعزة الله وعظمته وكبريائه وقدرته وإرادته وعلمه . . . وكذا الحلف بالمصحف أو القرآن أو سورة أو آية منه . وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون . فورب السماء والارض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) ( 1 ) . ويقول : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ) ( 2 ) . وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما قال : كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ، ومقلب القلوب ) . وعن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله ، صلى الله صلى الله عليه وسلم ، إذا اجتهد ( 3 ) في الدعاء قال : ( والذي نفس أبي القاسم بيده ) رواه أبو داود . ( أيم الله وعمر الله وأقسمت عليك ) قسم : ( أيم الله يمين ، لانها بمعنى : والله - أو : وحق الله .
ويمين الله ، يمين عند الاحناف والمالكية ، لان معناها : أحلف بالله . وقالت الشافعية : لا تكون يمينا إلا بالنية ، فإن نوى الحالف اليمين انعقدت ، وإن لم ينو لم تنعقد . وعند أحمد : روايتان ، أصحهما أنها تنعقد . وعمر الله يمين عند الاحناف والمالكية ، لانها بمعنى : وحياة الله وبقائه . وقال الشافعي ، رضي الله عنه وأحمد وإسحاق : لا يكون يمينا إلا بالنية . وكلمة أقسمت عليك - وأقسمت بالله ، يرى بعض العلماء أنه يكون يمينا مطلقا ، ويرى أكثرهم أنه لا يكون يمينا إلا بالنية . وذهبت الشافعية إلى أن ما ذكر فيه اسم الله يكون يمينا . وأن ما لم يذكر فيه اسم الله لا يكون يمينا ، وإن نوى اليمين . وقال مالك ، رضي الله عنه : إن قال الحالف : أقسمت بالله كان يمينا ، وإن قال : أقسمت أو أقسمت عليك ، فإنه في هذه الصورة لا يكون يمينا إلا بالنية .
الحلف بأيمان المسلمين : سبق أن قلنا في الجزء الثامن من فقه السنة إن الحلف بأيمان المسلمين لا يلزم به شئ ، ومن حلف فقال : إن فعلت كذا فعلي صيام شهر أو الحج إلى بيت الله الحرام . أو قال : إن فعلت كذا فالحلال علي حرام . أو قال : إن فعلت كذا فكل ما أملكه صدقة . فهذا وأمثاله فيه كفارة يمين متى حنث ، وهو أظهر أقوال العلماء - وقيل : لا شئ فيه . وقيل : إذا حنث لزمه ما علقه وحلف به . الحلف بأنه غير مسلم - أو الحلف بالبراءة من الاسلام : من حلف أنه يهودي أو نصراني أو أنه برئ من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم إن فعل كذا ففعله . فقال جماعة من العلماء منهم الشافعي : ليس هذا بيمين ولا كفارة عليه ، لان النصوص اقتصرت على التهديد والزجر الشديد . وروى أبو داود والنسائي عن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف فقال : إني برئ من الاسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال ( 1 ) . وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الاسلام سالما ) ( 1 ) . وعن ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف بغير ملة الاسلام فهو كما قال ) . وذهب الاحناف وأحمد وإسحاق وسفيان والاوزاعي : إلى أنه يمين ، وعليه الكفارة إن حنث . الحلف بغير الله محظور : وإذا كانت اليمين لا تكون إذا بذكر اسم الله أو ذكر صفة من صفاته ، فإنه يحرم الحلف بغير ذلك ، لان الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ، والله وحده هو المختص بالتعظيم . فمن حلف بغير الله فأقسم بالنبي أو الولي أو الاب أو الكعبة أو ما شابه ذلك ، فإن يمينه لا تنعقد ، ولا كفارة عليه إذا حنث . وأثم بتعظيمه غير الله . 1 - عن ابن عمر ، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه في ركب وهو يحلف
( هامش ) ( 1 ) إن قصد بذلك إبعاد نفسه لم يكفر . وليقل : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويستغفر الله ويتوب إليه . وإن أراد الكفر إذا فعل المحلوف عليه كفر والعياذ بالله .
بأبيه ، فناداهم الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم . فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت . قال عمر : فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها . ذاكرا ولا آثرا ) ( 1 ) . 2 - وسمع ابن عمر ، رضي الله عنهما رجلا يحلف : لا ، والكعبة ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) . 3 - وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حلف منكم فقال في حلفه : باللات والعزى : فليقل : لا إله إلا الله . ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدق ) ( 2 ) . 4 - وعند أبي داود ( من حلف بالامانة فليس منا ) أي ليس على طريقتنا .
( 1 ) أي لم يحلف بأبيه من قبل نفسه ولا حاكيا عن غيره . ( 2 ) اللات والعزى : صنمان لاهل مكة كانوا يحلفون بهما في الجاهلية ، فمن حلف بهما ، فليكفر بقوله : لا إله إلا الله . كما يتصدق إذا طلب لعب القمار من صاحبه . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالانداد - أي الاصنام - ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون ) رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة . الحلف بغير الله دون تعظيم المحلوف به : جاء النهي عن الحلف بغير الله إذا كان يقصد بذكره التعظيم ، كالحالف بالله يقصد بذكره تعظيمه . أما إذا لم يقصد التعظيم ، بل قصد تأكيد الكلام فهو مكروه من أجل المشابهة ، ولانه يشعر بتعظيم غير الله . وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للاعرابي : ( أفلح وأبيه ) . قال البيهقي : إن ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد . وأيد النووي هذا الرأي وقال : إنه هو الجواب المرضي . قسم الله بالمخلوقات : كان العرب يهتمون بالكلام المبدوء بالقسم فيلقون إليه السمع مصغين ، لانهم يرون أن قسم المتكلم دليل على عظم الاهتمام بما يريد أن يتكلم به ، وأنه أقسم ليؤكد كلامه . وعلى هذا جاء القرآن يقسم بأشياء كثيرة ، منها القرآن ، كقوله تعالى : ( والقرآن المجيد ) . ومنها بعض المخلوقات مثل : ( والشمس وضحاها ) ( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى ) . وإنما كان ذلك لحكم كثيرة في المقسم به والمقسم عليه . من هذه الحكم : لفت النظر إلى مواضع العبرة في هذه الاشياء بالقسم بها ، والحث على تأملها ، حتى يصلوا إلى وجه الصواب فيها . فقد أقسم سبحانه وتعالى بالقرآن لبيان أنه كلام الله حقا وبه كل أسباب السعادة . وأقسم بالملائكة لبيان أنهم عباد الله خاضعون له ، وليسوا بآلهة يعبدون . وأقسم بالشمس والقمر والنجوم لما فيها من الفوائد والمنافع ، وأن تغيرها من حال إلى حال يدل على حدوثها ، وأن لها خالقا وصانعا حكيما ، فلا يصح الغفلة عن شكره والتوجه إليه . وأقسم بالريح . والطور . والقلم . والسماء ذات البروج . إذ أن ذلك كله من آيات الله التي يجب التوجه إليها بالفكر والنظر .
أما المقسم عليه فأهمه : وحدانية الله ، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث الاجساد مرة أخرى ، ويوم القيامة . لان هذه هي أسس الدين التي يجب أن تعمق جذورها في النفس . والقسم بالمخلوقات مما اختص الله به . أما نحن البشر فلا يصح لنا أن نقسم إلا بالله أو بصفة من صفاته على النحو المتقدم ذكره .
شرط اليمين وركنها : ويشترط في اليمين : العقل . والبلوغ . والاسلام . وإمكان البر . والاختيار . فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه . وركنها : اللفظ المستعمل فيها . حكم اليمين : وحكم اليمين أن يفعل الحالف المحلوف به فيكون بارا . أو لا يفعله فيحنث ، وتجب الكفارة .
أقسام اليمين تنقسم الايمان أقساما ثلاثة : 1 - اليمين اللغو . ( 2 ) اليمين المنعقدة . 3 - اليمين الغموس .
اليمين اللغو وحكمها : ويمين اللغو : هي الحلف من غير قصد اليمين ، كان يقول المرء : والله لتأكلن ، أو لتشربن ، أو لتحضرن . ونحو ذلك . لا يريد به يمينا ولا يقصد به قسما ، فهو من سقط القول . فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، قالت :
أنزلت هذه الاية : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) . في قول الرجل : لا والله . وبلى والله . وكلا والله . رواه البخاري مسلم وغيرهما . وقال مالك ، رضي الله عنه ، والاحناف ، والليث ، والاوزاعي : لغو اليمين أن يحلف على شئ يظن صدقه ، فيظهر خلافه ، فهو من باب الخطأ . وعند أحمد ، رضي الله عنه روايتان كالمذهبين . وحكم هذا اليمين : أنه لا كفارة فيه ، ولا مؤاخذة عليه .
اليمين المنعقدة وحكمها : واليمين المنعقدة هي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها ، فهي يمين متعمدة مقصودة ، وليست لغوا يجري على اللسان بمقتضى العرف والعادة . وقيل : اليمين المنعقدة هي أن يحلف على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله . وحكمها : وجوب الكفارة فيها عند الحنث . يقول الله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم ) ( 1 ) . ويقول : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان ، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ) . ( 2 )
اليمين الغموس وحكمها : واليمين الغموس وتسمى أيضا : الصابرة - وهي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق ، أو التي يقصد بها الغش والخيانة . وهي كبيرة من كبائر الاثم - ولا كفارة فيها ( 1 ) - لانها أعظم من أن تكفر ، وسميت غموسا لانها تغمس صاحبها في نار جهنم . وتجب التوبة منها . ورد الحقوق إلى أصحابها إذا ترتب عليها ضياع هذه الحقوق . يقول الله سبحانه : ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم . فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ) ( 2 ) . 1 - وروى أحمد ، رضي الله عنه وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس ليس لهن كفارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ، وبهت مؤمن ، ويمين صابرة يقطع بها مالا
( هامش ) ( 1 ) وقال الشافعي ورواية عن أحمد رضي الله عنهما - فيها الكفارة . ( 2 ) سورة النحل آية رقم 94 . بغير حق ) . 2 - وروى البخاري عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكبائر : الاشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس ) . 3 - وروى أبو داود عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف على يمين مصبورة ( 1 ) كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار ) . ( هامش ) ( 1 ) مصبورة : أي ألزم بها وحبس عليها - وكانت لازمة من جهة الحكم .